العرب وفك الاسد

قبل نيف وعشرون عاما رن جرس الهاتف في ساعة متأخرة من الليل ليبلغني صديقي المدمن سياسة





بان دولة البراق الطائر غزت دولة الكونت دي مونت كريستو





وكانت مفاجأة بكل المقاييس لم يستوعبها رجل مثلي يرى بان بلاد العرب أوطاني





منَ الشّـامِ لبغدانِ. ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ, إلى مِصـرَ فتطوانِ. فـلا حـدٌّ يباعدُنا, ولا ديـنٌ يفـرّقنا





ولكن هيهات هيهات فكل هذه الأوهام كانت تعشش في دماغ رجل أبله مثلي لم يستوعب مجريات العصر الحديث





فصراع القبائل الذي بتره الدين الإسلامي الحنيف وجعل العرب يدركون بان التحرك صوب الحضارات خيرا منه





قد عاد حيا من جديد وبقوة التكنولوجيا العصرية الحديثة وعادت معه كل سلبيات الجاهلية العفنة من أحقاد وأضغان





فبدلا من سواد الألفة والمحبة ساد الجفاء والكراهية





وبدلا من التغني بأمجاد الأمة جعلهم يتمسكون بأمجاد القبيلة





وبدلا من أن يكون أكرم الناس أحسنهم خلقا صار اغلب الناس أردءاهم خلقا





وبدلا من الهجرة الداخلية وتبادل الخبرات صارت الهجرة الخارجية وهروب العلماء من ابرز سمات العرب





وبدلا من تركيز الجهود لكسب العلم صار التركيز على الصراع أخير منه وأجدى





صراع القبائل طال كل شيء





من السياسة إلى الرياضة





وما نراه ونسمعه كل يوم يثبت لنا بأننا تخلينا ومع سبق الإصرار والترصد بفك الارتباط فيما بيننا





وصارت كلمة فك الارتباط هي الشعار السائد اليوم





فمن شمالها اللبناني إلى جنوبها اليمني





ومن غربها الموريتاني إلى شرقها العراقي كلهم يسعون نحو فك الارتباط





فك الارتباط بين سوريا ولبنان وفك الارتباط بدولة العراق بينها البين وبين جيرانها وفك الارتباط بدولة اليمن الواحد





وفك الارتباط بشمال السودان وغربه وفك الارتباط بين الصحراء والمغرب وفك الارتباط بين شمال الصومال وجنوبه





وفك وفك إلى أن نصل إلى فك الأسد





وفك الأسد شهيته مفتوحة ونحن نلقمه بين كل حين وحين واحد منا





متوهمين بأنها أخر اللُقم





لكم خالص تحياتي